الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية السليني تصف الفصل 5 بـ"التنّين" الذي وضع لالتهام الدولة الحديثة وتتحدث عن المجلس الاسلامي الأعلى وعن فتح أبواب جهنم

نشر في  16 جويلية 2022  (09:36)

توقفت الكاتبة و الجامعية نائلة السليني عند الفصل 5 من دستور قيس سعيد الذي سيعرضه على التونسيين يوم الاستفتاء في 25 جويلية الجاري للتصويت بكلمة نعم أو لا، ووصّفت السليني الفصل الخامس بالتنين الذي وضع لالتهام الدولة الحديثة متحدّثة عن المجلس الاسلامي الاعلى وعن فتح أبواب جهنم والدهاليز المغلقة والدمار الآت الى البلاد...

و نشرت في هذا الغرض السليني تدوينتينعلى صفحتها على موقع التواصل الإجتماعي بالفايسبوك جاء فيهما ما يلي:

“الفصل 5 الذي أسال كثيرا من الحبر، ومع ذلك بقيت مآخذ جافّة ..قاحلة.. تركت المجال مفتوحا إلى أن تحدّث الجميع في الموضوع.. واليوم أقول:
ـــ يبدو أنّ مفهوم المقاصد ظلّ هلاميا عند جلّ من قارب الفصل بالنقد..والسبب بسيط ، إذ يعود إلى أنّه مصطلح ” بدعة” يجهله القدامى قبل المعاصرين.. أقول بدعة لأنّه يندرج في صلب اللعبة الفقهية، وخاصّة عندما تصطدم أحكامها بحقيقة ثابتة، وهي أنّها أحكام بعيدة عن الطابع القدسي الذي سعى الفقهاء إلى أن تكون عليه اجتهاداتهم.. فالفكر الديني نشأ على معادلة أحاول تبسيطها:
1ــ التسليم بأنّ القرآن تحدّث في كلّ شيء. ولم يترك شاردة أو واردة إلاّ وأوثقها بحكم: وحذار فهذه مسلّمة ، وكلّ من يعمل على التشكيك فيها هو من أهل الزيغ والضلال
2ـــ على مؤسسة الفقهاء أن تبحث عن الطبيعة القدسية لهذه الأحكام: ويقول الفقهاء ” هناك ما نزل صريحا” وهناك أحكام تندرج فيما أراد الله أن يقول، ويعبّرون عن ذلك ” ما قصده الله ولم يقله صراحة” ..طبعا مثل هذا الموقف ينقص من قدرة الله.. فالله خالق الكلمة ولا يمكن بأيّ حال أن تعجزه العبارة حتى ينتظر من بني آدم أن يعبّروا نيابة عنه..
ومن هنا يبدأ الانزياح في تفسير النص القرآني.. ومن هنا يبدأ الانزياح في إنتاج الحكم الفقهي.. إذ من هو المؤهّل لقراءة النصّ؟ الفقيه..ومن القادر على صناعة الحكم الفقهي ؟ الفقيه..وفي النهاية يلبسه جبّة القداسة .. وكأنّ المنتوج ليس ثقافيا بحتا.. بما أنّ ” الله أراد أن يقول ذلك”
أمكن بذلك لماكينة الفقه أن تظلّ تشتغل دون توقّف.. مهما ابتعدنا في الزمن أو افترقنا في المكان.. وأمكن لسلطة هي مؤسسة دينية أن تُنصّب بمثابة المظلّة لتحمي المؤمن من قيظ الخوف من الزيغ وخيانة الله فيما يقصد.. وحذار مرّة أخرى.. لا يملك هذا الصكّ سوى الإمام ومن يفوضه فقيها مشرّعا.
هذا ببساطة مفهوم المقصد / المقاصد التي احتمى بها الفقهاء القدامى منذ بداية القرن 3 هــ ، عندما أدركوا أنّ النصّ القرآنيّ أو حتى ما أُثِر من أخبار عن الرسول صارت قاصرة عن الاستجابة إلى نوازل جديدة فرضتها طبيعة اجتماع إسلامي صار خليطا من مجتمعات أخرى ولها عقائد سماوية سابقة له..
وظلّت عبارة مقاصد الشريعة متلازمة مع المسلمين طيلة هذه القرون.. والغريب أن المسلم يتلذّذ بإعلان انتمائه إليها ، بل لا يجد حرجا في إعلان الولاء لها والانضمام إلى رايتها.. وكان هذا المسلم كلّما اشتدّ فزعه هرع إلى هذه البدعة طلبا للحماية…وكم كثر التجاؤه إليها خاصّة بعد ظهور الوهابية وبعد الاصطدام بتقدّم الغرب وتأخر المسلمين…وبعد نشأة الحركات الإصلاحية .. ليقتنصها الإخوان المسلمون ويجعلوا منها تأشيرة الدخول إلى أذهان الناس.. قامت دول سمّيت بالعربية الإسلامية..كان لزاما أن يتلازم مع إعلان الشهادتين أن تؤدّي هذه الدول اليمين أيضا بالتزامها بمنهج مقاصد الشريعة حتى لا تضيع عن الصراط المستقيم .. وهو صراط يضمن للرعية الخُلد في جنات النعيم..
وتلك هي طبيعة الدساتير الإسلامية..دساتير تتنكّر للحداثة وترتمي في أحضان البداوة..
وفي جميع ما أبنّا فإنّ النصّ براء من هذا الهلع ..وبراء من الاحتماء بتفكير اقتضته عصور ماضية ولا يحتاج إليها واقعنا الراهن..ومع ذلك ظلّ المسلم الحاكم والمسلم العاميّ يتلذّذان بهذه الخدعة التي ابتدعاها.

ووصّفت الدكتورة السليني الفصل الخامس بالتنين الذي وضع لالتهام الدولة الحديثة، مبينة في تدوينة أخرى حول ذات الفصل ما يلي:

"اليوم نفتح الصياغة في الفصل 5: وأوّل ما أبدأ به هي تلك العبارة المضافة في التنقيح، " في ظلّ نظام ديمقراطي".. لأقول لكم إنّ الصياغة الواردة من الناحية اللغوية تندرج بالنسبة إلينا نحن، أهل الاختصاص في اللغة العربية في خانة التعابير الهزيلة والسمجة .. إذ ما معنى ظلّ نظام...؟ ولو بعث الجاحظ وقرأ هذه العبارة لأُسقِط في يديه.. ولذا فإنّ وجودها يثقل أكثر ممّا يعالج بنية التركيب..

أمّا عبارة " تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية" فهنا مشاكل أخرى ألخّصها في النقاط التالية:
ــــ المشهور في الكتب القديمة هو الحديث عن مقاصد الشريعة لا الإسلام.. وأعترف أنّ توظيف هذه العبارة في دستورنا الجديد، إنّما وُضع حتى يتمكّن واضعها من المراوغة... وكأنّي بمن اختارها يشعر هو أيضا بتململ من الصياغة الأصلية : الشريعة" ، بل يبدو متأكّدا أنّه في وضعها سيشعل البلاد نارا.. لذلك احتمى بلفظ الإسلام، لفظ عادي يرمز إلى العقيدة ويطمئنّ إليه كلّ مؤمن.. لكن، تعوّد المسلمون الحديث عن أركان الإسلام الخمسة ..مثلما تعوّدوا على الحديث عن مبادئ الشريعة الخمسة، وهي : حفظ الدين
وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل (العرض) وحفظ المال.
وقد يعثر القارئ على محاولات المعاصرين من المتخرّجين من كلّيات الشريعة على اجتهادات جديدة في أن نسبوا إلى الإسلام مبادئ ، وخاصّة منهم أولئك الذين اطّلعوا على المبادئ الكونية لحقوق الإنسان.. لكن ، ما يلفت نظرنا هو أنّ المبادئ المنسوبة إلى الإسلام غير متّفق عليها، ومجملها 6 مبادئ فيها ما يلتقي مع مقاصد الشريعة وفيها المبادئ التي تحاور مبادئ حقوق الإنسان، ومجملها: مبدأ العدالة ومبدأ الحرية، ومبدأ المساواة،ومبدأ منع الضرر ومبدأ التعاون الاجتماعي...
تنبيه لا تفرحوا كثيرا لوجود مساواة أو حرية.... فالحرية مستعملة نقيضا للعبودية والمساواة هي تلك المساواة التي دافعت عنها النهضة في دستورها ..وليست المساواة التي نناضل لأجلها...والنتيجة أن حافظ من صاغ هذا الفصل على مقاصد الشريعة الأربعة واستبدل العقل بالحريّة والنسل بمرادفه الفقهي العرض.. اجتنابا لردود فعل قد تحوّل وجهة الفصل..
عبارة أخرى أقلقتني في هذا الفصل وتكرّرت في كثير من الفصول وهي " وعلى الدولة وحدها أن تعمل، في ظلّ نظام ديمقراطي، على تحقيق..." وأعتبر هذه الجملة في غاية من الدقّة من حيث انعكاساتها القانونية.. وأوضّح:
ـ بيّنت في تعليقي السابق أمس أنّ بنية الدولة الحديثة تلاشت، وبيّنت أنّ ما يسمّى بالولايات الدينية هي التي ستشتغل تحت إمرة الإمام.. وها نحن في هذه المسألة في لبّ الموضوع..وأقول إنّ الأمام لن يحتاج إلى جهد كبير في بعث هذه الولايات الدينية..فقد قام بن علي بالعمل نيابة عنه ، وهيّأ له " الحصيرة" . ناضلنا في بداية 2011 ومنعنا نشاط هذا المجلس الأمر الذي دفع أنذاك بالترويكا إلى تجميد أعماله.. لكن، ها هو اليوم أحد أعضائه يوقظه من سباته الطويل لينطلق في الاشتغال بتوجيه من إمامه.. وأتحدّث عن المجلس الإسلامي الأعلى. ورد في القانون الأساسي لهذا المجلس:
ــ هو مجلس أحدث في 9 جانفي 1989..ما هي مشمولات المجلس حسب رئاسة الحكومة؟
ـــ إبداء الرأي في اتجاه تنفيذ أحكام الفصل الأول من الدستور الذي ينص على أن تونس جمهورية دينها الإسلام. هذا استنادا إلى دستور 59
ــــ إبداء الرأي فيما يتعلق بالنواحي الاجتماعية والفقهية، خصوصا منها ما يهم الأحوال الشخصية وإحكام الأسرة حفاظا عليها من التفسخ والانغلاق وتمكينا لها من القيام بدورها في تربية الأبناء ورعايتهم وحسن إعدادهم على أكمل الوجوه.
ــــ ترشيد الخطاب الديني
ــــ إبداء الرأي في كل ما يتعلق ببرامج التعليم في الجامعة الزيتونية وبرامج مادة التربية الدينية في سائر المعاهد.
ــــ التصرف في موارد صندوق الزكاة بعد جمعها وتوزيعها بحسب الضوابط الشرعية عن طريق هيئة وطنية للتسيير يرأسها رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، إلى جانب الهيئات الجهوية للتسيير التي يمثل فيها المجلس الإسلامي الأعلى في خطة نائب رئيس.
أدعوكم صديقاتي وأصدقائي إلى قراءة مشمولات هذا المجلس من منظور جميع الفصول التي تتحدث عن التربية ومجلسها ، وعن قيام الدولة لوحدها برعاية المقدسات.... بل لا حرج في أن تحذف عبارة الآداب العامّة بما أنّ الحفاظ على الأسرة من التفسّخ والانغلاق مضمون في القانون الأساسي للمجلس....
والمصيبة الأكبر أنّ بن علي أقرّ صندوق الزكاة منذ 89 وجعله من مشمولات هذا المجلس.. صحيح أنّ الإرادة السياسية لم تتجه إلى بعثه لكن تأسيسه في قانون جاهز قادر في أيّ وقت من الأوقات أن يشتغل بصفة طبيعية وتشرف عليه ولاية دينية...
فلنستعدّ لإحداث صناديق زكاة..ولننتظر أن تتحوّل وزارة الشؤون الدينية إلى وزارة أوقاف.. ولنتهيأ لبعث الأحباس..فنُلحَق بالقطيع.. ويصير اقتصادنا قائما على الصدقات التي ستصير فريضة واجبة عليكم.. هذا ما يحدث في كثير من الدول العربية.. ولنا في تجارب الدول الفقيرة في هذا المجال الأمثلة الكثيرة على سرقات ...
اقتصادنا يضلع.. وزيدو..بل ستبعث البنوك الإسلامية مثل الطحالب ، بما أنّها تضمن التقوى وتحمي من الربا.... وسيهنأ الغنوشي بما حرم منه طيلة 10 سنوات..بما أنّ البنوك الإسلامية بدعة إخوانية صرف..
وختامها مسك... الواضح أنّ حفظ الشرف والنسل هي وظائف دينية صنّفها الماوردي ضمن خطّة المحتسب..ننتظر لنتابع إن كان الإمام سيبعث مؤسسة الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.... على كلّ حاول قبله الغنوشي واجتهد في بعثه للجان حماية الثورة.. وكان من نتائجها استشهاد بلعيد والبراهمي...
ترون اصدقائي كيف أنّ ابواب جهنّم يمكن أن تفتح في أيّ وقت بفضل هذا الفصل.. فصل يبدو أنّه عزيز عليه لكنّ دماره آت لا ريب فيه...إذ لا أحد مخلّد.. ويكفي أن يتغيّر الإمام حتى ندخل في دهليز مظلم...والمؤمن الحق يعلم أنّ مصيره بيد خالق كريم..فلم كلّ هذا الحرص على أن يخلِّد السيد الرئيس مصيرنا في رقبته .. لهذا الشعب ربّ يحميه.. ولهذا البلد شعب يحميه..
أخيرا أنبّه ونزيد إنبّه.. راهي أورقو الكلّ مخبية في المجلس الأعلى.. مصر عندها الأزهر.. والسعودية عندها هيئة كبار العلماء.. وأحنا بجلالة قدرنا عندنا المجلس الإسلامي الأعلى... ويرحم بن علي... ومن أنذر فقد أعذر.."